فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {فَمَا خَطْبُكُمْ} سؤال عما لأجله أرسلهم الله تعالى، والخطب والشأن والأمر سواء: إلا أن لفظ الخطب أدل على عظم الحال.
فإن قيل: إن الملائكة لما بشروه بالولد الذكر العليم فكيف قال لهم بعد ذلك: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون}.
قلنا: فيه وجوه: الأول: قال الأصم: معناه ما الأمر الذي توجهتم له سوى البشرى.
الثاني: قال القاضي: إنه علم أنه لو كان كمال المقصود إيصال البشارة لكان الواحد من الملائكة كافيًا، فلما رأى جمعًا من الملائكة علم أن لهم غرضًا آخر سوى إيصال البشارة فلا جرم قال: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون}.
الثالث: يمكن أن يقال إنهم قالوا: إنا نبشرك بغلام عليم.
في معرض إزالة الخوف والوجل، ألا ترى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خاف قالوا له: {لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم} [الحجر: 53]، ولو كان تمام المقصود من المجيء هو ذكر تلك البشارة لكانوا في أول ما دخلوا عليه ذكروا تلك البشارة، فلما لم يكن الأمر كذلك علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الطريق أنه ما كان مجيئهم لمجرد هذه البشارة بل كان لغرض آخر فلا جرم سألهم عن ذلك الغرض فقال: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون}.
ثم حكى تعالى عن الملائكة أنهم قالوا: {إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} وإنما اقتصروا على هذا القدر لعلم إبراهيم عليه السلام بأن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لإهلاكهم واستئصالهم وأيضًا فقولهم: {إِلا ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} يدل على أن المراد بذلك الإرسال إهلاك القوم.
أما قوله تعالى: {إِلا ءالَ لُوطٍ} فالمراد من آل لوط أتباعه الذين كانوا على دينه.
فإن قيل: قوله: {إِلا ءالَ لُوطٍ} هل هو استثناء منقطع أو متصل؟
قلنا: قال صاحب الكشاف: إن كان هذا الاستثناء استثناء من {قوم} كان منقطعًا، لأن القوم موصوفون بكونهم مجرمين وآل لوط ما كانوا مجرمين، فاختلف الجنسان، فوجب أن يكون الاستثناء منقطعًا.
وإن كان استثناء من الضمير في {مجرمين} كان متصلًا كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم كما قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} [الذاريات: 36]. ثم قال صاحب الكشاف: ويختلف المعنى بحسب اختلاف هذين الوجهين، وذلك لأن آل لوط يخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، لأن على هذا التقدير الملائكة أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة وما أرسلوا إلى آل لوط أصلًا، وأما في المتصل فالملائكة أرسلوا إليهم جميعًا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، وأما قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} فاعلم أنه قرأ حمزة والكسائي {منجوهم} خفيفة، والباقون مشددة وهما لغتان.
أما قوله تعالى: {إِلاَّ امرأته} قال صاحب الكشاف: هذا استثناء من الضمير المجرور في قوله: {لَمُنَجُّوهُمْ} وليس ذلك من باب الاستثناء من الاستثناء، لأن الاستثناء من الإستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، كما لو قيل: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته، وكما لو قال: المطلق لامرأته أنت طالق ثلاثًا إلا ثنتين إلا واحدة، وكما إذا قال: المقر لفلان على عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهمًا، فأما في هذه الآية فقد اختلف الحكمان، لأن قوله: {إِلا ءالَ لُوطٍ} متعلق بقوله: {أَرْسَلْنَا} أو بقوله: {مُّجْرِمِينَ} وقوله: {إِلاَّ امرأته} قد تعلق بقوله: {منجوهم} فكيف يكون هذا استثناء من استثناء.
وأما قوله: {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن معنى التقدير في اللغة: جعل الشيء على مقدار غيره.
يقال: قدر هذا الشيء بهذا أي اجعله على مقداره، وقدر الله تعالى الأقوات أي جعلها على مقدار الكفاية، ثم يفسر التقدير بالقضاء، فقال: قضى الله عليه كذا، وقدره عليه أي جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر، وقيل في معنى: {قَدَّرْنَآ} كتبنا.
قال الزجاج: دبرنا.
وقيل: قضينا، والكل متقارب.
المسألة الثانية:
قرأ أبو بكر عن عاصم {قَدَّرْنَآ} بتخفيف الدال هاهنا وفي النمل.
وقرى الباقون فيهما بالتشديد.
قال الواحدي يقال: قدرت الشيء وقدرته، ومنه قراءة ابن كثير: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت} [الواقعة: 60]. خفيفًا، وقراءة الكسائي: {والذى قَدَّرَ فهدى} ثم قال: والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالًا لقوله تعالى {وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها} [فصلت: 10]، وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شيء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
المسألة الثالثة:
لقائل أن يقول: لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله تعالى، ولم لم يقولوا: قدر الله تعالى؟
والجواب: إنما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يريدون بذكر هذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك، فكذا ههنا.
والله أعلم.
المسألة الرابعة:
قوله؛ {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} في موضع مفعول التقدير قضينا أنها تتخلف وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون.
ولا تكون ممن يبقى مع لوط فتصل إلى النجاة والله أعلم.
{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)}
اعلم أن الملائكة لما بشروا إبراهيم بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون لعذاب قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط وإلى آله، وأن لوطًا وقومه ما عرفوا أنهم ملائكة الله، فلهذا قال لهم: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} وفي تأويله وجوه: الأول: أنه إنما وصفهم بأنهم منكرون، لأنه عليه الصلاة والسلام ما عرفهم، فلما هجموا عليه استنكر منهم ذلك وخاف أنهم دخلوا عليه لأجل شر يوصلونه إليه، فقال هذه الكلمة.
والثاني: أنهم كانوا شبابًا مردًا حسان الوجوه، فخاف أن يهجم قومه عليه بسبب طلبهم فقال هذه الكلمة.
والثالث: أن النكرة ضد المعرفة فقوله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أي لا أعرفكم، ولا أعرف أنكم من أي الأقوام، ولأي غرض دخلتم علي، فعند هذه الكلمة قالت الملائكة، بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله، ثم أكدوا ما ذكروه بقولهم: {وأتيناك بالحق} قال الكلبي: بالعذاب، وقيل باليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه وهو عذاب أولئك الأقوام ثم أكدوا هذا التأكيد بقولهم؛ {وِإِنَّا لصادقون}.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)}
قرئ {فَأَسْرِ} بقطع الهمزة ووصلها من أسرى وسرى.
وروى صاحب الكشاف عن صاحب الإقليد فسر {مِنْ} السير والقطع آخر الليل.
قال الشاعر:
افتحي الباب وانظري في النجوم ** كم علينا من قطع ليل بهيم

وقوله: {واتبع أدبارهم} معناه: اتبع آثار بناتك وأهلك.
وقوله: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} الفائدة فيه أشياء: أحدها: لئلا يتخلف منكم أحد فينا له العذاب.
وثانيها: لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من البلاء.
وثالثها: معناه الإسراع وترك الاهتمام لما خلف وراءه كما تقول: امض لشأنك ولا تعرج على شيء.
ورابعها: لو بقي منه متاع في ذلك الموضع، فلا يرجعن بسببه ألبتة.
وقوله: {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قال ابن عباس: يعني الشام.
قال المفضل: حيث يقول لكم جبريل.
وذلك لأن جبريل عليه السلام أمرهم أن يمضوا إلى قرية معينة أهلها ما عملوا مثل عمل قوم لوط.
وقوله: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ} عدى قضينا بإلى، لأنه ضمن معنى أوحينا، كأنه قيل: وأوحيناه إليه مقضيًا مبتوتًا، ونظيره قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسرائيل} [الإسراء: 4]، وقوله؛ {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ} [يونس: 71]. ثم إنه فسر بعد ذلك القضاء المبتوت بقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه أولًا، وتفسيره ثانيًا تفخيم للأمر وتعظيم له.
وقرأ الأعمش {إِن} بالكسر على الاستئناف كان قائلًا قال أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال: إن دابر هؤلاء، وفي قراءة ابن مسعود.
وقلنا: {إِنَّ دَابِرَ هَؤُلاء} ودابرهم آخرهم، يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد وقوله: {مُّصْبِحِينَ} أي حال ظهور الصبح. اهـ.

.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {إلَّا آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ}.
قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا فِيهِ بَلَاغٌ لِلطَّلَبَةِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيه، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْكَلَامِ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ، لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِيهِ.
وَبَيَانُهُ الْآنَ عَلَى اخْتِصَارٍ لَكُمْ أَنَّا لَوْ عَلَّقْنَاهُ بِالْأَوَّلِ كَمَا عَلَّقْنَاهُ بِمَا يَلِيه لَكَانَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا وَصَارَ الْكَلَامُ نَفْيًا لِمَا أُثْبِتَ، وَإِثْبَاتًا لِمَا نُفِيَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ إثْبَاتًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ نَفْيٌ؛ ثُمَّ إنْ اسْتَثْنَى مِنْ النَّفْيِ فَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى بِهِ إثْبَاتٌ، فَيَصِيرُ هَذَا الْمُسْتَثْنَى الْآخَرُ مَنْفِيًّا بِالِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ مُثْبَتًا بِالثَّانِي، وَهَذَا تَنَاقُضٌ، وَبَسْطُهُ وَإِيضَاحُهُ فِي الْأُصُولِ، فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} إلَّا آلَ لُوطٍ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ، إلَّا امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ آلِهِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْفِقْهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ: عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا وَاحِدًا، فَثَبَتَ الْإِقْرَارُ بِثَمَانِيَةٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُطَلِّقِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً، فَتَكُونُ اثْنَتَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَأَغْنَى عَنْ الْإِطْنَابِ فِيهِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قالوا إنا أُرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلاّ آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين}
آل لوط اتباعه ومؤمنو قومه، سمّاهم آلَهُ لنصرتهم له، وإيمانهم به، فاستثناهم من المجرمين المأمور بهلاكهم، فخرجوا بالاستثناء منهم.
ثم قال تعالى: {إلاّ امْراَته} فكانت مستثناة من آل لوط ولاحقة بالمجرمين، لأن كل استثناء يعود إلى ما تقدمه فيخالفه في حكمه. فإن عاد إلى إثبات كان الاستثناء نفيًا، وإن عاد إلى نفي كان الاستثناء إثباتًا، فصارت امرأة لوط ملحقة بالمجرمين المهلكين.
ومثال هذا في الإقرار أن يقول له: عليّ عشرة إلا سبعة إلا أربعة، فيكون عليه سبعة لأن الأربعة استثناء يرجع إلى السبعة التي قبلها، فصار الباقي منها ثلاثة، وتصير الثلاثة الباقية هي الاستثناء الراجع إلى العشرة، فيبقى منها سبعة.
وهكذا في الطلاق لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا أو اثنتين إلا واحدة طلقت ثنتين لأن الواحدة ترجع إلى الثنتين، فتبقى منها واحدة فتصير الواحدة هي القدر المستثنى من الثلاثة فيصير الباقي منها ثنتين وهكذا حكم قوله: {إلا امرأته}. {قدرنا} فيه وجهان:
أحدهما: معناه قضينا، قاله النخعي.
الثاني: معناه كتبنا، قاله علي بن عيسى.
{إنها لَمِنَ الغابرين} فيه وجهان:
أحدهما: أي من الباقين في العذاب مع المجرمين.
الثاني: من الماضين بالعذاب.
قوله عز وجل: {فأسرِ بأهلك بقطع مِن الليل}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بآخر الليل، قاله الكلبي.
الثاني: ببعض الليل، قاله مقاتل.
الثالث: بظلمة الليل، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
ونائحةٍ تنوحُ بقطع ليلٍ ** على رَجُلٍ بقارعةِ الصعيد

قوله عز وجل: {وقضينا إليه ذلك الأمر} أي أوحينا إليه ذلك الأمر.
{أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} فيه وجهان:
أحدهما: آخرهم.
الثاني: أصلهم.
{مقطوع مصبحين} أي يستأصلون بالعذاب عند الصباح. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)}
القائل هنا إبراهيم عليه السلام، وقوله: {فما خطبكم} سؤال فيه عنف، كما تقول لمن تنكر حاله: ما دهاك وما مصيبتك؟ وأنت إنما تريد استفهامًا عن حاله فقط. لأن الخطب لفظة إنما تستعمل في الأمور الشداد، على أن قول إبراهيم عليه السلام {أيها المرسلون} وكونهم أيضًا قد بشروه يقتضي أنه قد كان عرف أنهم ملائكة حين قال: {فما خطبكم}، فيحتمل قوله: {فما خطبكم} مع هذا أنه أضاف الخطب إليهم من حيث هم حملته إلى يوم المعذبين أي ما هذا الخطب الذي تتحملونه وإلى أي أمة، و{لقوم مجرمين} يراد به أهل مدينة سدوم الذين بعث فيهم لوط عليه السلام، والمجرم الذي يجر الجرائر ويرتكب المحظورات، وأصل جرم وأجرم كسب، ومنه قول الشاعر: الوافر:.
جريمة ناهض في رأس نيق

أي كسب عقاب في قنة شامخ، ولكن اللفظة خصّت في عرفها بالشر، لا يقال لكاسب الأجر مجرم، وقولهم {إلا آل} استثناء منقطع، والأول القوم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه، كذا قال سيبويه، وهذا نص في أن لفظة {آل} ليست لفظة أهل كما قال النحاس، ويجوز على هذا إضافة {آل} إلى الضمير، وأما أهيل فتصغير أهل، واجتزوا به عن تصغير {آل}، فرفضوا أويلًا وقرأ جمهور السبعة {لمُنجُّوهم} وقرأ حمزة والكسائي {لمنْجُوهم} بسكون النون وضم الجيم مخففة، والضمير في {لمنجوهم} في موضع خفض بالإضافة، وانحذفت النون للمعاقبة، هذا قول جمهور النحويين، وقال الأخفش الضمير في موضع نصب وانحذفت النون لأنه لابد من اتصال هذا الضمير.